شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
من أسباب المروق من الدين: الغلو
...............................................................................
هذا الغلو الذي وقعوا فيه حقيقته أنه شرك بالله تعالى؛ حيث إنهم خالفوا النصوص، سمعنا الآيات التي في النهي عن الغلو قول الله تعالى في سورة النساء: رسم> يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ قرآن> رسم> فالغلو هو مجاوزة الحد، والنهي الذي جاء لأهل الكتاب جاء في كتابنا فهو نهي لنا، فإن كل الخطابات التي في القرآن موجهة إلى اليهود أو إلى أهل الكتاب مراد بها تنبيه الأمة ألا يفعلوا كفعلهم.
حيث إن من فعلهم وبالأخص النصارى الغلو في عيسى اسم> وفي أمه؛ حيث قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، عيسى اسم> وأمه وروح القدس، أو الله والمسيح اسم> وأمه، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وحكى ذلك عنهم: رسم> لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ قرآن> رسم> يعني يتحداهم ويحذر الأمة أن لا يفعلوا كفعلهم، وأنهم إذا لم ينتهوا سيمسهم عذاب أليم، فهذا دليل على أن الغلو أوقعهم فيما أوقعهم فيه.
ثم إنهم لما غلوا في هؤلاء في أهل البيت في علي اسم> وفي ذريته قلدهم الجهلة فاتبعوهم، فيوجد في كثير من البلاد الإسلامية قبور قد شيدت وبني عليها ورفعت، وصار الناس يأتون إليها من أماكن بعيدة يتحرون الصلاة عندها، ويتحرون الدعاء عندها، ويدعون أنها إذا دعوا عندها شفعت في دعائهم ورفع، وأن الصلاة عندها أفضل من الصلاة في المساجد فوقعوا في الشرك، في العراق اسم> وفي اليمن اسم> وفي الشام اسم> وفي مصر اسم> وفي إفريقيا اسم> وفي الهند اسم> وفي السند اسم> وفي غالب البلاد الإسلامية.
وحتى في هذه البلاد حتى طهرها الله تعالى في عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب اسم> رحمه الله، جاءهم الشيطان في بلد يقال لها: العيينة اسم> وقال: إن هذا قبر زيد بن الخطاب اسم> فبنوا عليه بنايات وصاروا يعبدونه ويطوفون به، وكذلك في مكان آخر جاءهم الشيطان وقال: هذا قبر السيد الذي يسمونه تاج اسم> وآخر اسمه شمسان اسم> وآخر اسمه يوسف اسم> وأشباههم.
فالحاصل أن هذا النوع من الغلو يعتبر شركا وكفرا يحبط الأعمال، فلما أن الذين اشتهروا به أولا هم الرافضة وفعلوا ما فعلوا مما يخالف عقيدة المسلمين كفرهم المسلمون وقاتلوهم، وبالأخص ملوك في مصر اسم> يسمون أنفسهم الفواطم، أنهم من ذرية فاطمة اسم> وهم كذبة، يعرفون ببني عبيد القداح، ولما أنهم ظهرت مخالفاتهم وظهر شركهم وغلوا في الصالحين وغلوا في الأولياء أو من يسمونهم أولياء من الصوفية ونحوهم عند ذلك قاتلهم أهل السنة، وانتزعوا الملك منهم، وقضوا عليهم حتى تفرقوا، ولم يزل أهل السنة يحذرون من الرافضة، ويبينون عداءهم للإسلام وللمسلمين.
فالحاصل أن هذا نوع من أسباب التفرق؛ من أسباب الكفر وهو الغلو في الصالحين، وقد حذر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سمعنا وفي حديث عن ابن عباس اسم> لما ركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته في مزدلفة اسم> وأراد التوجه إلى منى اسم> أمر ابن عباس اسم> أن يناوله سبع حصيات ليرمي بها جمرة العقبة، فناوله سبع حصيات مثل حصى الخذف، الحصى الذي يخذف به بين الأصابع، فجعل ينثرهن بيده ويقول: رسم> بمثل هذا فارموا يا عباد الله، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين متن_ح> رسم> فكأنه يقول: إن كونكم ترمون بحجارة كبيرة مثل بعر الإبل أو نحوها يعتبر غلوا، هذا من الغلو في الدين.
فإذا كان الغلو يدخل حتى في رمي الجمرات، فبطريق الأولى أن يكون مذموما الغلو في العباد، بأن يعتقد أن صاحب هذا القبر ينفع، أو أنه يقبل النذر، أو أنه يفيد من دعاه، أو أنه يملك ما لا يملك العباد، ويؤدي بهم هذا الاعتقاد إلى أن يعكفوا حوله، وأن يتبركوا بتربته، وأن يسافروا لأجله، وأن يتمسحوا به، وأن يهتفوا باسمه، فكيف لا يكون هذا غلوا؟! بل هو مثل غلو النصارى في قولهم: رسم> إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قرآن> رسم> أو في قولهم: رسم> الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ قرآن> رسم> .
مسألة>